header

مزاج صياد ( ماهر الاسطه )

ماهر اسطى

نحن على عتبة شهر أيار، هذا الشهر الذي يعد صعبا على الصياد اللبناني، حيث اننا لا زلنا بعيدين عن شهر أيلول و بداية موسم جديد. لكن ابتداء من هذا الشهر يبدأ الحنين و تشتعل الأشواق الى رحلات الصيد.في هذا الشهر تبدأ الأحلام و الذكريات بغزو ليالينا. ذكريات الرحلات مع أعز الأصحاب واحلام عن طيور تقع من السماء بعد اصابتها و صرخات الأصحاب التشجيعية: “حيلك….طييييب”

قد تتغير تلك الذكريات مع تقدم العمر وإزدياد الخبرة. انا شخصيا أذكر إنني ايام الطيش أكثر من مرة عدت الى المنزل حاملا المئات من طيور المطوق التي اصطدتها برحلة واحدة ولكن صدقا” لا أذكر من الرحلات تلك سوى وجع الرأس والكتف.بينما أذكر تماما” كل لحظة من رحلات أخرى. مثل تلك الرحلة التي ذهبنا بها أنا واثنين من أعزّ الأصحاب الى جرود الهرمل لإصطياد “الكيخن” منذ أكثر من عشر سنوات. أذكر جيدا كيف إنني لم أنم تلك الليلة من شدة الأمل بنهار صيد جيد. أذكر جيدا القيادة على الطريق لمدة أكثر من ثلاث ساعات ونصف مع الخوف من الجليد حينها. أذكر جيدا كيف انه طوال فترة الصباح لم يتوقف المطر والثلج الا لدقائق معدودة. أذكر انني أمضيت ساعات واقفا في قلب شجرة لزاب ادير ظهري للهواء وانا أراقب حبات نفناف الثلج كيف تذوب ببطء على سبطانة بندقيتي. أذكر جيدا اننا حين قررنا العودة تفاجأنا جميعنا بأن الطريق الرملية التي سلكناها قبل الفجر حين كانت مجلدة اصبحت الآن مستنقع من الأوحال و كيف إن هذه الأوحال اغرقت الدواليب الأربعة بطريقة أصبح معها الخروج بالسيارة من المقوص شبه مستحيل. أذكر جيدا طعم الوحل الذي غطى وجهي عندما بدأنا “بدفش” السيارة مع دوران الدواليب في مكانها دون تقدم . أذكر جيدا نظرة صاحب محطة الغسيل في اليوم التالي عندما رأى كتل الوحول التي نزلت من سيارتي و كيف انه طلب من العامل أن يرميها بـ”البورة” المجاورة بواسطة الرفش كي لا تسد مجاري المياه و أذكر جيدا كيف انني ذهبت لأرى كيف إمتزج تراب الهرمل بتراب بيروت بطريقة عفوية لم تقدر عليها طاولات حوارهم على مدى سنوات.

في ذلك اليوم لم يطلق أحدنا طلقة، ولكن انا واثق اننا لو خُيّرنا انا وصديقي الأثنين بين إعادة تلك الرحلة وبين رحلة أخرى نحمل فيها المئات من طرائد المطوق، سوف نختار إعادة تلك الرحلة من دون تردد.
ليس عدد الطيور هو الذي يحدد نجاح رحلة الصيد… قد يكون طعم الوحل ورائحته الزكيّة وضحكات الأصحاب والمغامرة والأحاسيس الجديدة هي المعايير التي تحدد ذلك.

مقالات ذات صله